المقدمة:
مع اقتراب ذكرى المولد النبوي الشريف، يتجدد في قلوبنا الشوق والحب لسيد الخلق، نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. ومهما حاولنا أن نكتب أو نتحدث، ومهما ألّفت من كتب وسُطّرت من مقالات، فإننا لن نستطيع أن نُحيط بكل جوانب شخصيته العظيمة أو نصل إلى كُنهِ صفاته الكاملة. فهو الإنسان الذي عصمه الله، ورفع قدره، وجعله أسوة حسنة للعالمين. ولكن، يبقى الحديث عنه محاولة مباركة للاقتراب من نوره والاستلهام من هديه.
من شمائل النبي المصطفى:
لقد حباه الله تعالى بصفات الكمال البشري، فكان أعظم الناس خُلُقًا، حتى أثنى عليه ربه في كتابه الكريم فقال: «وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ».
كان صلى الله عليه وآله وسلم تجسيدًا حيًا للرحمة الإلهية، فكان رحيمًا بالصغير والكبير، بالصديق والعدو، بل وبالحيوان والجماد.
عُرف بصدقه وأمانته منذ صغره، فلقّبه قومه بـ «الصادق الأمين».
وكان حكيمًا في قراراته، حليمًا عند الغضب، متواضعًا في تعاملاته رغم علو مكانته، شجاعًا في الحق لا يخشى لومة لائم.
هذه الأخلاق السامية لم تكن مجرد سلوكيات عابرة، بل كانت منهج حياة، وهي التي أسرت القلوب وألّفت بين النفوس وجعلت منه «رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ».
القرآن والسنة نبع وحدتنا:
إننا كمسلمين، مهما اختلفت آراؤنا في بعض الفروع، فإننا جميعًا نستقي تشريعنا ومنهج حياتنا من مصدرين أساسيين لا ثالث لهما: القرآن الكريم وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. هذا الأصل المشترك هو أقوى دعائم الوحدة بيننا. فإذا كانت مصادرنا واحدة، وغايتنا رضا الله واحدة، ونبينا واحد، فلا ينبغي للاختلافات في الفهم أو التفسير أن تكون سببًا للفرقة والشقاق. بل يجب أن تكون هذه الاختلافات مصدرًا للإثراء الفكري والتنوع المحمود الذي لا يفسد للود قضية، وأن نتذكر دائمًا أننا نقف صفًا واحدًا كالبنيان المرصوص أمام التحديات التي تواجه أمتنا.
وثيقة المدينة دستور للتعايش والوحدة:
ولعل من أروع الأمثلة العملية على حكمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقدرته على بناء جسور الوحدة، هي «وثيقة المدينة». هذه الوثيقة لم تكن مجرد معاهدة سياسية، بل كانت دستورًا اجتماعيًا فريدًا في زمانه. استطاع النبي من خلالها أن يوحد بين فئات المجتمع المختلفة في المدينة المنورة من مهاجرين وأنصار وقبائل يهودية، على أساس المواطنة والعدل والتعاون المشترك. لقد ضمنت الوثيقة للجميع حقوقهم وحفظت لهم حرياتهم، وجعلت منهم أمة واحدة تتعاون للدفاع عن المدينة وتعمل من أجل خيرها المشترك. إنها دليل ساطع على أن رحمته وحكمته كانت الأساس في بناء مجتمع متماسك ومترابط. نحو وحدة إسلامية متجددة
في الختام:
إن سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بمواقفها المتعددة ومن ضمنها وثيقة المدينة، تدعونا اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى التمسك بأخلاقه والتحلي بصفاته. يجب علينا أن نجعل من رحمته وحكمته وأخلاقه مصدر إلهام لنا لتوحيد صفوفنا ونبذ خلافاتنا. فلنتخذ من سيرته العطرة نبراسًا يضيء لنا الطريق، ولنعمل معًا كيد واحدة لنكون بحق «خير أمة أخرجت للناس».
والسلام موصول للجميع